يقول نزار قباني عن حياته
ولدت في دمشق في آذار (مارس) 1923 بيت وسيع، كثير الماء والزهر، من منازل دمشق القديمة، والدي توفيق القباني، تاجر وجيه في حيه، عمل في الحركة الوطنية ووهب حياته وماله لها. تميز أبي بحساسية نادرة وبحبه للشعر ولكل ما هو جميل. ورث الحس الفني المرهف بدوره عن عمه أبي خليل القباني الشاعر والمؤلف والملحن والممثل وباذر أول بذرة في نهضة المسرح المصري.
امتازت طفولتي بحب عجيب للاكتشاف وتفكيك الأشياء وردها إلى أجزائها ومطاردة الأشكال النادرة وتحطيم الجميل من الألعاب بحثا عن المجهول الأجمل. عنيت في بداية حياتي بالرسم. فمن الخامسة إلى الثانية عشرة من عمري كنت أعيش في بحر من الألوان. أرسم على الأرض وعلى الجدران وألطخ كل ما تقع عليه يدي بحثا عن أشكال جديدة. ثم انتقلت بعدها إلى الموسيقى ولكن مشاكل الدراسة الثانوية أبعدتني عن هذه الهواية.
وكان الرسم والموسيقى عاملين مهمين في تهيئتي للمرحلة الثالثة وهي الشعر. في عام 1939، كنت في السادسة عشرة. توضح مصيري كشاعر حين كنت وأنا مبحر إلى إيطاليا في رحلة مدرسية. كتبت أول قصيدة في الحنين إلى بلادي وأذعتها من راديو روما. ثم عدت إلى استكمال دراسة الحقوق وأصدرت
طوق الياسمين </FONT>
شكراً لطوق الياسمين
وضحكت لي
وظننت أنك تعرفين معنى سوار الياسمين
الياسمين ياتي به رجل اليك
ظننت أنك تدركين
وجلست في ركن ركين تتمشطين
وتنقطين العطر من قارورة وتدندنين
لحناً فرنسي الرنين
لحناً كأيامي حزين
قدماك في الخف المخصب جدولا من الحنين
وقصدت دولاب الملابس تقلعين وترتدين
وطلبت مني أن أختار ماذا تلبسين
أفلي إذن ؟ أفلي تتجملين!!
ووقفت في دوامة الألوان ملتهب الجبين
الأسود المكشوف من كتفيه هل ترتدين
لكنه لون حزين
لون كأيامي حزين
ولبسته وربطت طوق الياسمين
وظننت أنك تعرفين معنى سوار الياسمين
ياتي به رجل اليك ظننت أنك تدركين
هذا المساء في حانة صغرى رأيتك ترقصين
تتكسرين على زنود المعجبين
تتكسرين وتدمدمين
في أذن فارسك الأمين
لحناً فرنسي الرنين
لحناً كأيامي حزين
بدأت أكتشف اليقين
وعرفت أنك لسواي تتجملين
ولهم ترشين العطر وتقلعين وترتدين
ولمحت طوق الياسمين
في الأرض مكتوم الأنين
كالجثة البيضاء تدفعه جموع الراقصين
ويهم فارسك الأمين بأخذه
فتمانعين وتقهقين
لاشي يستدعي انحناءك
ذاك طوق الياسمين